مجتمع يئن وتنشئة تستجير

0

بصيص أمل؛ بل شعاع من نور كلما رأينا اقترابه من مجتمعنا الذي نسعى جميعًا إلى حفظه وتأمينه بغلاف القيم كحصن منيع لحفظ الهوية واستعادة منظومة القيم من محاولات مستمرة لتغريبها بل والقضاء عليها، يخرج علينا بين الحين والآخر من يهدر كل هذه الجهود ويطلق العنان لفساد قيمي ومجتمعي هو في ذاته ناقوس خطر يهدّد مستقبل جيل بل أجيال قادمة باتت تتعامل مع القيم بأنها نوع من التقليدية والرجعية.
حملات توعوية تطلقها المؤسسات الدينية والثقافية ليل نهار ولسان حالها “استفيقوا يرحمكم الله”، بل دعوة مستمرة من أصحاب العقول الحكيمة لملاحقة ركب التطور التقني بما لا ينزع رصيد القيم والثقافة الرشيدة التي تربيّنا عليها ونأمل أن تعود كأرضية خصبة لتنشة أطفالنا عليها، لكن هذه الحملات وتلك الدعوات لم تستطع الصمود رغم كثافتها أمام سعي دؤوب وراء صناعة شهرة زائفة أعمت قلوب هؤلاء ممن تناسوا أن يسألوا أنفسهم، ماذا سيترتب على ممارستهم تلك التي يفرغونها عبر وسائل تواصل اجتماعي باتت لاتملك بوابات عبور أمام السليم منها فتقدمه لمتابعيها مغلفًا بغلاف الخير والتوجيه الحسن، كما أنها لا تملك مصرفًا لتحويل الخبيث إلى مصيره المعروف.
غريب شأن هؤلاء! فإذا كنتم في حالة استغناء حقيقي عن ذاتكم وعن نظرة المجتمع لكم، وقررتم التفريط في إنسانيتكم التي ما هي إلا أمانة وُكلتم بالحفاظ عليها، فليس من حقكم التفريط في قيم تبني أجيالًا ببقائها وتهدم مجتمعًا بدفنها تحت ادعاءات العولمة والانفتاح غير المنضبط، بل هل تفكرتم ولو للحظة واحدة، ماذا ستقولون لأبنائكم وأحفادكم اليوم وغدًا؟ّ! أجيبونا إن كنتم تبتغون غير ذلك سبيلًا.
لا أتحدث هنا عن انضباط بضوابط الشرع –رغم أهميتها- في قيام مجتمع واعٍ يضمن للناس ألّا يسمعون إلا طيب القول ولا يرون إلا ما يسرُّ أعينهم وأعين أفراد أسرتهم، بل أسرد القول حول ضوابط المجتمع والبيئة والثقافة فقد لا يوافقك البعض في ضرورة الالتزام ببعض ضوابط الدين ويعتبرونها تقييدًا لحرياتهم المزعومة، لكنهم يرون أحيانًا أن القيم المجتمعية والثقافية مظلة تحوي الجميع رغم أنها نابعة مما أقرته الأديان السماوية ومشتركاتها التي تحترم الإنسانية وتعلي شأنها، ليعيش الناس في أمن وأمان مجتمعي يحترم بعضهم بعضًا ولا يبخس بعضهم حق بعض حتى ولو كان حقًا معنويًا.
قمة العجب من شخصيات لا تسمع نداء نفسها قبل غيرها، غابت بداخلها كل أجهزة الإنذار والرقابة، فحالهم ما بين ضمير قتله حب النفس وإنسانية في إجازة مفتوحة لا تعلم متى ستعود، فأين أنتم من مجتمع يئن يومًا بعد يوم بل لحظة بعد لحظةٍ من عفن ما وضعتم على صفحاتكم فلوّثتم به عقول أفراده، وقتلتم به حياء نساءه، وتسببتم في ضياع مصير شبابه، إذا كان ولابد فابحثوا لكم عن مستنقع واحد يكفي فضلات أفكاركم التي يرفضها كل فكر مستنير وتأباها كل ثقافة محافظة ومحترمة.
أقلام تكتب وكاميرات تلتقط لأشخاص لم يجدوا ما يُميّز شخصهم ويعطي لذاتهم مكانة وقيمة مجتمعية، فقرروا أن يصبحوا نجوم مجتمع على حساب مصير أطفال تنتظر خطاهم أرضية صالحة تحملهم وقدوة حسنة تنير طريقهم، بل على حساب شباب وفتيات طالما ضلّ بهم الطريق وفي أمس الحاجة إلى عقل رشيد يأخذ بأيديهم إلى سبيل الرشاد، ولكنهم بكل أسف أصبحوا محاطين بمجتمع أقل ما يقال عنه مجتمع المعاقين ذهنيًا بمفهومه الحقيقي، فليس المعاق ذهنيًا هو من ابتلاه الله بفقدانه للتمييز بعقله، وإنما المعاق الحقيقي هو من منًّ الله عليه بعقل سليم وقلب حكيم فاستعمله في غير موضعه فشوّه به الأفكار وأرهق به المجتمعات التي سئمت من كثرة الفتن التي بلغت مرحلة متقدمة لا يفرق فيها الناس بين الخطأ والصواب وبين الحق والضلال.
خطابي قد لا يروق لهؤلاء لأنه لا يوافق هواهم ولا يلبي أمنياتهم، لأنهم فيما يكتبونه أو ينشرونه بين الناس إذا لبّى ما يريدون ووافقهم في ذلك المتنطعون فهم بذلك قد حققوا ذاتهم من وجهة نظرهم، وإذا رفضه المجتمع واعتبره خروج على قواعده وأعرافه صدعونا بأنها حرية شخصية رغم علمهم اليقيني بأن حريتهم تنتهي عند حرية الآخرين، فلسنا مجبرين أن نسمع منكم أو نرى خبيثكم.
وخلاصة قولي التي أردت أن أذيل به ما أردت توضيحه للقارئ الكريم، إذا لم يستح هؤلاء فكن أنت الدرع الواقي لنفسك، والحصن الحصين لأبنائك، أغلق الباب أمام أمانيهم الباطلة فلا تقرأ لهم ولا تسمع فتقتل هوسهم قبل أن ينشروا بيننا سمومهم، واغرس في طفلك الفضيلة في صغره يشبّ على بصيرة، ويشيب وهو ذا قيمة أمام نفسه وأهله ومجتمعه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.